قطع الإنترنت في إيران: بين الرقابة الرقمية والحرب السيبرانية

المصور
المؤلف المصور
تاريخ النشر
آخر تحديث

 



مقدمة: الرقابة كأداة وجودية في ظل النظام الثوري

منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، اعتبر النظام الإيراني أن التحكم بالمعلومات من ركائز بقائه. ومع توسّع استخدام الإنترنت، تحوّلت هذه التقنية من وسيلة تواصل إلى ساحة حرب رقمية، حيث يعمد النظام إلى حجب الشبكة خلال الأزمات الداخلية والخارجية تحت ذرائع أمنية. خلال الحرب مع إسرائيل سنة 2025، سُجّل انخفاض في استخدام الإنترنت بنسبة 97% وفقًا لمنظمة IODA، ما شكّل سابقة خطيرة في تاريخ الحجب الرقمي.

لكن ماذا يحدث خلف الكواليس؟ وهل قطع الإنترنت مجرد قرار سياسي؟ أم أنه يحمل أبعاداً سيبرانية دقيقة؟

التحليل التقني والاستراتيجي لقرار قطع الإنترنت

في الأيام الأخيرة، أعلنت السلطات الإيرانية أن قطع الإنترنت تم لأسباب "أمنية وتقنية"، لكن بالرجوع إلى السياق العسكري الإلكتروني بين إيران والكيان الصهيوني، يمكن اعتباره تكتيكاً دفاعياً محسوباً بدقة، وليس خطوة عشوائية.


🛡️ أولاً: السيطرة على تدفق البيانات ومنع الاختراقات

  • قطع الإنترنت الشامل يتيح للدولة فرض عزل داخلي تام للشبكة، بما يمنع تسرب البيانات أو تنفيذ هجمات إلكترونية مرتدة.

  • إيران لها تاريخ مع الهجمات السيبرانية، أبرزها هجوم Stuxnet عام 2010 الذي دمّر منشآت نووية، ومنذ ذلك الحين أصبحت تتخذ إجراءات استباقية كلما شعرت بوجود تهديد بنيوي.

  • عند الانقطاع، تُعزل الشبكات الحساسة مثل البنوك، والطاقة، والاتصالات عن الإنترنت العالمي لتفعيل أنظمة فحص داخلي، أو تحديث أمني طارئ.

⚠️ ثانياً: إجراء استباقي أمام تهديدات استخباراتية

  • من المرجّح أن تكون إيران قد رصدت مؤشرات استخباراتية على وجود محاولات تسلل رقمية ضخمة، سواء عبر Botnets أو Scanning خارجي.

  • في هذه الحالات، يتم تنفيذ قطع شامل للاتصال الخارجي (Traffic segmentation) مع الإبقاء فقط على حركة البيانات الداخلية، كإجراء دفاعي لصد الهجوم أو منعه من الاستكمال.

🕵️‍♀️ ثالثاً: ضبط الوضع الداخلي ومنع التنسيق المعارض

  • في أوقات الحروب أو الأزمات، تخشى السلطات من تنسيق احتجاجات داخلية عبر الإنترنت، كما حدث في 2022 و2019.

  • الانقطاع يمنح الحكومة فرصة لإعادة تنظيم الأجهزة الأمنية ومراقبة أي تحركات قد تستغل الظرف السياسي أو العسكري.

🔧 رابعاً: تحديثات تقنية على البنية التحتية

  • هناك احتمال كبير أن قطع الإنترنت كان مصحوباً بعمليات تحديث للبنية التحتية مثل:

    • تغيير شهادات الأمان الجذرية Root Certificates.

    • إعادة ضبط بنية DNS الوطنية.

    • تعطيل خدمات خارجية قد تكون مخترقة.

    • نشر أدوات جديدة لـتحليل الحزم العميق (Deep Packet Inspection).

🌐 خامساً: النموذج الصيني كمصدر إلهام

  • مثل الصين ونظامها "The Great Firewall"، تسعى إيران إلى تعزيز سيادتها الرقمية حتى لو كلّف الأمر عزل البلاد مؤقتاً.

  • إيران تمتلك بنية رقابية متطورة، لكنها أقل تعقيداً من الصين، ما يجعل خيار القطع الشامل أسهل وأسرع لحماية شبكاتها من الهجمات.

الخلاصة: إيران لم تقطع الإنترنت فقط للرقابة، بل نفّذت عزلاً رقمياً شاملاً (Hard Isolation) لحماية بياناتها وشبكاتها الحيوية، اعتماداً على تقارير أمنية دقيقة، وليس بدوافع سياسية فقط.

الأسباب المعلنة والمخفية لقطع الإنترنت

1. الحرب الإيرانية - الإسرائيلية (2025)

  • فرضت قيود بعد هجمات إسرائيلية، قيل إنها لحماية المواطنين من هجمات مسيّرة.

  • وكشفت تقارير أن إسرائيل استخدمت الإنترنت لتوجيه الهجمات، مما جعل القطع إجراءً دفاعياً استباقياً.

2. احتجاجات داخلية (2022 - 2019)

  • في وفاة مهسا أميني، حُجبت تطبيقات التواصل لتفادي نشر الفيديوهات الميدانية.

  • في 2019، عُزلت البلاد كلياً أثناء قمع احتجاجات البنزين، ما تسبب في مقتل مئات المتظاهرين دون تغطية.

شبكة المعلومات الوطنية: البديل الإيراني للإنترنت

أنشأت إيران إنترانتاً وطنياً يُعرف باسم NIN بهدف:

  • التحكم الكامل في تدفق البيانات.

  • استبدال التطبيقات الأجنبية بأخرى محلية مثل "بله" و"روبیکا".

  • إبقاء الشعب في "غرفة صدى رقمية" خاضعة للرقابة.

الخسائر الاجتماعية والاقتصادية

  • توقف الحجوزات وخسائر السياحة والقطاع البنكي.

  • سوق سوداء للـVPN تُقدّر بمليار دولار.

  • فقدان التواصل مع الخارج وتفكك العائلات.

  • غياب الشفافية والتوثيق الحقوقي.

سلوك المواطنين وردود أفعالهم

  • 89.2% من الإيرانيين يستخدمون أدوات تجاوز الحجب رغم تجريمها.

  • انتشار تطبيقات مزيفة للتجسس.

  • نداءات لتفعيل ستارلينك، وسفر بعض العائلات خارج طهران للبحث عن إشارة إنترنت.


السنة الحدث الرئيسي نسبة الانقطاع الذريعة الرسمية
2019 احتجاجات "نوفمبر الدامي" 96% منع التضليل الإعلامي
2022 احتجاجات مهسا أميني 85% استعادة الأمن الأخلاقي
2025 الحرب الإيرانية - الإسرائيلية 97% التصدي للهجمات السيبرانية

 خلاصة نهائية

قطع الإنترنت في إيران ليس مجرد كبت للحريات، بل هو أداة دفاعية استراتيجية تُستخدم لحماية الأمن القومي، وتأمين البنية التحتية، والسيطرة على السرد الإعلامي داخلياً.
لكن كلما طال هذا العزل الرقمي، زادت الفجوة بين إيران والعالم الخارجي، وارتفع ثمن الرقابة على حساب حرية الشعب وحقه في المعلومة.

 

إذا وصلت إلى هنا، شكراً لك 🙌

لا تنس مشاركة المقال مع أصدقائك، ومتابعة الصفحة للمزيد من التحليلات والتقارير ✌️

أسئلة شائعة حول قطع الإنترنت في إيران

1. لماذا قطعت إيران الإنترنت في عام 2025؟

قطعت إيران الإنترنت بسبب التصعيد العسكري والإلكتروني مع إسرائيل، واعتبرته إجراءً دفاعيًا لمنع الهجمات السيبرانية والتجسس الرقمي.

2. هل هناك علاقة بين انقطاع الإنترنت والاحتجاجات؟

نعم، فقد تكرر الحجب أثناء الاحتجاجات مثل مظاهرات مهسا أميني عام 2022، بهدف الحد من التنسيق الشعبي ونشر الفيديوهات.

3. ما هي شبكة المعلومات الوطنية في إيران؟

هي شبكة داخلية بديلة للإنترنت العالمي، تهدف للرقابة على المحتوى واستبدال التطبيقات العالمية بمنصات محلية تخضع للمراقبة.

4. كيف يتجاوز الإيرانيون الحجب المفروض على الإنترنت؟

يستخدم معظم الإيرانيين برامج VPN لكسر الحجب رغم تجريمها، ويُقدّر أن 89.2٪ يعتمدون عليها للوصول إلى التطبيقات المحجوبة.

5. ما تأثير قطع الإنترنت على الاقتصاد؟

أدى انقطاع الإنترنت إلى خسائر بمليارات الدولارات وتوقف قطاعات مثل السياحة، والبنوك، والتجارة الإلكترونية، إضافة إلى ازدهار سوق الـVPN غير القانوني.

6. هل يعتبر انقطاع الإنترنت استراتيجية فعّالة للأمن السيبراني؟

يرى خبراء أن الانقطاع ليس حلاً فعالًا للهجمات المتقدمة، بل يضر بحرية الوصول إلى المعلومات ويعزل المواطنين رقمياً.

تعليقات

عدد التعليقات : 0